فصل: القرناء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: انحراف الشباب **


إهداء

إلى والدتي الغالية التي لم تألُ جهدًا فـي تربيتي، وتوجيهي، وتجنيبي سُبل الانحراف أقـدم هذا العمل‏.‏

المؤلف/ خالد الجريسي

الرياض في 23/3/1420هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إن التعرف على الأسباب الكامنة وراء ارتكاب المراهقين لبعض المخالفات التي تضعهم في خانة الخارجين على القانون والمجتمع ضرورة ملحة، لتلمس مواطن الداء، واقتراح الحلول المناسبة والكفيلة بالقضاء على تلك الظاهرة، أو الحد منها‏.‏

وتتمثل مشكلة هذا البحث في تحديد بعض المشكلات السلوكية التي تصدر من الشباب، مثل العزوف عن الدراسة، والمعاكسات، والمخالفات المرورية، والإدمان على تعاطي المخدرات، ووصف تلك المشكلات، وتحديد الأسباب المؤدية إليها، لنتمكن من اقتراح الوسائل والطرق العلاجية المناسبة لها‏.‏

وتتمثل أهمية البحث أنه يُعنى بفئة الشباب، ومحاولة سبر أغوارهم، من خلال دراسة بعض مشكلاتهم السلوكية، لوضع الأسس المناسبة للتعامل معهم، والابتعاد بهم عن الانحراف ومسبباته، إذ هم عماد الأمة، ورجالات المستقبل، فبصلاحهم تصلح الأمة، وتتبوأ مكانتها بين أمم الأرض‏.‏

ولكي نتمكن من تجنيب الشباب سبل الانحراف لابد من التعرف على الأسباب التي تؤدي بهم إلى سلوك السبيل غير السوي، وبالتالي إغلاق باب ذلك السبيل دونهم، وتوجيههم نحو السبل الآمنة، التي تصل بهم بر الأمان‏.‏

وهذه محاولة متواضعة مني نحو هذا الهدف، فإن وفقت فالحمد لله، وإن كان ثمة تقصير فمن نفسي، ولعل عذري أني لست من أهل الاختصاص، وإنما دفع بي لولوج هذا الباب، ما أشعر به من حرقة نحو شباب أمتي، الذين تتخطفهم الفتن، وتحدق بهم الأخطار من كل مكان‏.‏

سائلًا الله ـ عز وجل ـ أن يجعله عملًا خالصًا لوجهه الكريم، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المؤلف/ خالد الجريسي

 بعض المشكلات السلوكية

 العزوف عن الدراسة

يعد العزوف عن الدراسة والانقطاع عنها من الظواهر المتزايدة بين الشباب المراهق في المملكة العربية السعودية، فبعضٌ من الشباب المتخرج في المرحلة المتوسطة يعزف عن مواصلة تعليمه الثانوي‏.‏ وبعضٌ من الذين يواصلون تعليمهم الثانوي لا يكملونه‏.‏ وتلوح الظاهرة أكثر بعد المرحلة الثانوية إذ يتزايد العزوف عن متابعة الدراسة الجامعية‏.‏ ولعل من أهم الأسباب التي تدفع بالشباب إلى العزوف عن التعليم ومواصلة الدراسة النظرية أو المهنية إلى مراحلها العليا ما يلي‏:‏

1ـ انقطاع الصلة بين ما يتلقاه الطالب من علوم ومعارف وبين حياته العملية حيث لا يرى فيما يتعلمه ما يسهم في إعداده للحصول على مهنــة المستقبل‏.‏

2ـ عدم تفاعل الطالب مع التخصص الذي يدرسه لعدم رغبته فيه أو ميوله إليه ولكنه أجبر على الدخول فيه لعدم توفر الفرصة أمامه لتحقيق رغباته وميوله، فيحصل نوع من النفرة بين الطالب وما يدرسه يؤدي بالتالي إلى فشله وإخفاقه وبالتالي ترك الدراسة تمامًا‏.‏

3ـ عدم وجود التوجيه البناء من قبل الأهل لمساعدة ابنهم في اختيار التخصص المناسب لميوله وقدراته مما يجعله يخبط خبط عشواء من غير طائل‏.‏

4ـ كثير من الشباب يركزون على الحصول على الشهادة فقط دون إقامة وزن للتعليم لذا تجدهم يتركون مقاعد الدراسة متى ما فشلوا في الحصول على الشهادة أو متى ما توفرت لهم الظروف التي تجعلهم يستغنون عنها‏.‏

5ـ طول الفترة الزمنية التي يقضيها الشباب في التعليم مما يؤدي إلى استعجال بعض الشباب في تكوين أنفسهم والحصول على المال فتجده يترك الدراسة متى ما توفرت له فرصة عمل أو للبحث عن عمل يدر عليه دخلًا ماديًا‏.‏

6ـ ما يلاحظه الشباب من المعاناة التي يعانيها إخوانهم خريجو الجامعات في الحصول على الوظائف مما ساعد على بث الإحباط في نفوسهم‏.‏

7ـ عدم وجود الوعي العام بأهمية التعليم مما يساهم في عدم الاهتمام به وبالتالي العزوف عنه‏.‏

هذا إلى جانب بعض الأسباب الأخرى كالقصور في العملية التعليمية أو طرق التدريس أو وجود تنافر في العلاقة بين الطالب والقائمين على العملية التعليمية وغير ذلك من الأسباب‏.‏

وعزوف الشباب عن مواصلة التعليم بهدف الالتحاق بسوق العمل يحرم الشاب من حقه في اكتساب العلم والمعرفة ويضيّع عليه فرصة اللحاق بأقرانه الذين واصلوا مسيرتهم التعليمية‏.‏

ونتيجة لهذا تتفشى الأمية بين كثير من الشباب فيشبون جهلاء لا يقدرون على تمييز النافع من الضار والخير من الشر والفضيلة من الرذيلة وبذلك يكونون لقمة سائغة لتيار الانحراف والجنوح‏.‏ وفي دراسة للأستاذ عبد الله بن ناصر السدحان حول مشكلة قضاء وقت الفراغ وعلاقته بانحراف الأحداث أثبت فيها إن نسبة ‏(‏37%‏)‏ من الأحداث الجانحين غير منتظمين في دراستهم، بل إن ‏(‏12%‏)‏ منهم يتغيبون كثيرًا عن الدراسة‏.‏

 المعاكسات

المراد بها في بحثنا ما يقوم به الشباب من العبث في استخدام الهاتف والاتصال على خطوط الآخرين بهدف الإزعاج أو محادثة السيدات ومغازلتهن وكم من الفتيات قد وقعن في هذا الفخ واستجبن لوعود وإغراءات الشباب على الخط الآخر‏.‏

والمعاكسات الهاتفية تصدر من الشباب الذكور والإناث إلا أنها من جانب الذكور أكثر منها من جانب الإناث ولعل أهم الأسباب المؤدية لها‏:‏

1ـ انعدام الرقابة من قبل أولياء الأمور فكثير من الأسر تمنح ابنها الثقة المطلقة في تصرفاته بل قد يكون له خط هاتفي خاص به في حجرته الخاصة‏.‏

2ـ وجود المؤثرات الخارجية مثل مشاهدة الأفلام والتأثر بما يشاهدونه من إثارة جنسية‏.‏

3ـ وجود وقت الفراغ وعدم إشغاله بالنافع المفيد‏.‏

4ـ تزيين قرناء السوء لهذا الأمر واعتباره من الأعمال التي يتباهون بها بين أقرانهم‏.‏

5ـ حب الشباب للإثارة والمغامرة يدفعهم لولوج هذا الباب على ما فيه من أخطار‏.‏

وقد كان لهذا الأمر انعكاساته الضارة على الشباب خصوصًا والمجتمع عمومًا ومن ذلك الظواهر والآثار التالية‏:‏

1ـ تقصير الشباب في التحصيل العلمي نتيجة لإضاعة الوقت في العبث بجهاز الهاتف‏.‏

2ـ حدوث العديد من الاضطرابات النفسية لدى الشباب المعاكس تفقده هدوءه واتزانه بل قد تدفع به إلى ارتكاب الفاحشة والعياذ بالله‏.‏

3ـ وقوع كثير من الفتيات في الشَّرَك الذي ينصبه لهن الشباب المعاكس وبالتالي قد تقع في ما يفقدها شرفها وكرامتها والواقع يشهد على ذلك‏.‏

 المخالفات المرورية

لا تعد المخالفات المرورية من قضايا الجنوح ولكنها مخالفات تستوجب العقوبة بالتوقيف المؤقت أو بالغرامة المالية أو بهما معًا وذلك لما يترتب عليها من تعريض حياة الآخرين للخطر وحفاظًا على سلامة مستخدمي الطريق‏.‏

ويعد قطع الإشارات والسرعة الزائدة والتفحيط وسط الطرقات، من المخالفات التي يرتكبها الشباب أكثر من غيرهم‏.‏ وبنظرة سريعة إلى إحصائية الإدارة العامة للمرور حول أسباب الحوادث في المملكة العربية السعودية للأعوام 1416هـ 1417هـ 1418هـ نجد أن السرعة الزائدة تحتل المركز الأول من بين أسباب الحوادث يليها عدم التقيد بإشارات المرور وذلك كما هو موضح في البيان التالي‏:‏

النسبة

المجموع

1418هـ

1417هـ

1416هـ

العام السبب

9‏.‏31%

39872

13033

13640

13199

توقف غير نظامي

‏.‏

9‏.‏39%

40239

13616

13049

13584

دوران غير نظامي

‏.‏

12‏.‏90%

55256

19797

19578

15881

تجاوز غير نظامي

‏.‏

16‏.‏70%

71452

30539

20651

20262

عدم التقيد بالإشارات

‏.‏

36‏.‏63%

157‏.‏99

56819

53658

14662

السرعة الزائدة

‏.‏

0‏.‏83%

3556

3124

209

233

تعاطي المخدرات

‏.‏

14‏.‏24%

61016

24423

21931

14662

أخرى

100%

428420

161271

142716

124433

المجموع

يتضح من الجدول أعلاه أن السرعة الزائدة تشكل نسبة ‏(‏6‏.‏63%‏)‏ من إجمالي الحوادث في الأعوام الثلاثة يليها عدم التقيد بإشارات المرور التي تشكل نسبة ‏(‏16‏.‏70% ‏)‏ من إجمالي حوادث الأعوام الثلاثة و بضم السببين إلى بعضهما نجدهما يشكلان نسبة ‏(‏53‏.‏33% ‏)‏ من إجمالي نسبة الحوادث في الأعوام الثلاثة، وهذا مؤشر خطير جدًا نظرًا لما تسببه تلك الحوادث من إتلاف للأنفس والأموال وما تمثله من عبء عظيم على أجهزة الدولة المختلفة‏.‏

 الإدمان وتعاطي المخدرات

‏"‏إن مشكلة تعاطي المخدرات مشكلة دولية تحرص الكثير من الدول والهيئات المختلفة على القضاء عليها أو الحد منها حفاظًا على شعوبهم وأوطانهم من هذا الوباء الخطير، والمملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به وتتفاعل معه، ولهذا لم تسلم من ظاهرة المخدرات، ولو أن حجم الظاهرة قليل مقارنة بغيرها من الدول التي انتشر فيها هذا الوباء‏"‏‏.‏

وحول تعاطي الشباب في المملكة العربية السعودية للمخدرات فقد أظهرت دراسة رشاد عبد اللطيف العوامل الشخصية المؤدية إلى تعاطي الشباب للمخدرات والتي من أبرزها‏:‏

1ـ إثبات الرجولة‏.‏

2ـ التقليد والمسايرة‏.‏

3ـ إشاعة جو المرح‏.‏

4ـ نسيان المشكلات والهموم‏.‏

أما العوامل الاجتماعية المساعدة فكان من أبرزها‏:‏

1ـ عدم وجود رقابة من قبل الوالدين‏.‏

2ـ تعاطي أحد أفراد الأسرة للمخدرات‏.‏

3ـ القسوة في المعاملة‏.‏

4ـ عدم التزام أحد الوالدين بالواجبات الدينية‏.‏

5ـ انشغال الوالدين في الأعمال الخاصة‏.‏

6ـ التدليل الزائد في المعاملة‏.‏

7ـ وجود خلافات بين الوالدين‏.‏

8 ـ انفصال الوالدين بالطلاق‏.‏

9ـ زواج الوالد بأكثر من واحدة‏.‏

10ـ وفاة أحد الوالدين‏.‏

أما عن الآثار الاجتماعية الناجمة عن تعاطي الشباب للمخدرات فيمكن تصنيفها إلى‏:‏

 ما يتعلق بالآثار ‏(‏الأضرار الشخصية‏)‏ على الشاب

ـ اللامبالاة والسلبية‏.‏

ـ إهمال الواجبات المدرسية‏.‏

ـ الاكتئاب‏.‏

ـ العزلة عن الآخرين‏.‏

ـ تأنيب الضمير‏.‏

 الآثار الاجتماعية العامة

ـ ارتكاب السلوك الانحرافي كالسرقة والقتل وغيرها‏.‏

ـ التأخر الدراسي‏.‏

ـ الهروب من المنزل‏.‏

ـ الشجار مع الوالدين والإخوة والأقارب والزملاء والمدرسين‏.‏

ـ مزاملة رفاق السوء‏.‏

ـ مضايقة سكان الحي‏.‏

وقد تسبب تعاطي المخدرات في ‏(‏3556‏) ‏حادث مروري في المملكة العربية السعودية في عام 1418هـ وهو رقم يشكل نسبة أقل من ‏(‏1%‏)‏ من إجمالي الحوادث المرورية في المملكة ذلك العام‏.‏

 الخصائص المميزة للمراهقين الجانحين

نستطيع أن نحدد أبرز الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والتعليمية للشباب المنحرفين بالمملكة العربية السعودية استخلاصًا من العديد من الدراسات التي أجريت عليهم إذ أثبتت تلك الدراسات وجود توافق بين المنحرفين من حيث العمر والمستوى التعليمي وطبيعة العمل الانحرافي الذي يقومون به والمستوى الاقتصادي لأسرة المنحرف والذي يتضح من خلال البيئة السكنية التي يعيشون فيها‏.‏ وسنعرض إلى تلك الخصائص بشيء من التفصيل‏:‏

 العمر

يختلف المراهقون الجانحون عن غيرهم من المراهقين الأسوياء الذين هم من نفس الشريحة السكانية ويتضح من بعض الدراسات أن هناك فئة عمرية معينة تميل إلى ممارسة السلوك الانحرافي أكثر من غيرها فأكثر من ‏(‏95%‏)‏ من الأحداث المنحرفين المودعين بدار الملاحظة الاجتماعية يعيشون فترة المراهقة إذ تتراوح أعمار ‏(‏60% ‏)‏ منهم بين‏(‏16ـ18‏)‏ سنة بينما ‏(‏5%‏)‏ منهم تتراوح أعمارهم بين ‏(‏13ـ16‏)‏ سنة وهي مرحلة عمرية تعد من أشد مراحل الإنسان أهمية لما تتميز به من تغيرات جسمية ونفسية واجتماعية مما يجعلها أكثر استثارة، وهذا يتطلب ضرورة التعامل معها وفق أساليب تربوية إسلامية حتى تتم عملية التنشئة الاجتماعية للحدث بشكل سليم تتوافق مع القيم والقواعد والمبادئ الصحيحة السائدة بالمجتمع‏.‏

 المستوى التعليمي

إننا حين نلح على المستوى التعليمي للشباب المنحرف فإننا نقصد من وراء ذلك التعرف على العلاقة بين المستويات التعليمية التي ينتمي إليها الحدث وبين الاتجاه لممارسة السلوك الانحرافي‏.‏

وبنظرة إلى الأحداث المودعين بدار الملاحظة الاجتماعية في المملكة العربية السعودية نلاحظ تدني مستواهم التعليمي فالذين يدرسون في المرحلة الثانوية لا تتجاوز نسبتهم ‏(‏10%‏)‏ منهم، رغم أن مستوياتهم العمرية تهيئهم للمرحلة الثانوية فكما مر معنا آنفًا أن أكثر من ‏(‏60%‏)‏ منهم تراوحت أعمارهم بين‏(‏16ـ18‏)‏ سنة وفي هذه السن يفترض أن يكون الشاب تجاوز المرحلة المتوسطة وبدأ في المرحلة الثانوية‏.‏

وهذه المقارنة في المستوى التعليمي والمستوى العمري تدل على تدني المستوى التعليمي بين الشباب المنحرفين، و يؤكد هذا نسبة من يدرس بالمرحلة الابتدائية حيث تزيد نسبتهم عن ‏(‏35%‏)‏ بل يوجد قرابة ‏(‏5 %‏)‏ منهم أميون لا يعرفون القراءة أو الكتابة‏.‏ كذلك دلت الدراسات على انقطاع نسبة ليست بالقليلة عن الدراسة قبل إيداعهم دور الملاحظة حيث يوجد قرابة ‏(‏25%‏)‏ من الشباب المودعين بدور الملاحظة الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية كانوا منقطعين عن الدراسة حين ارتكابهم للسلوك الانحرافي وقبل دخولهم الدار وهذا ما جعل بعض الدارسين يربط بين الانقطاع عن الدراسة والانحراف في علاقة طردية‏.‏

 طبيعة الانحراف

تظهر جميع الدراسات التي أجريت على الأحداث المنحرفين في المملكة العربية السعودية وكذلك الجهة المسؤولة عن رعايتهم تُظهر أن السرقة تعد الجنحة الأولى في قائمة الجنح التي ارتكبها الشباب المنحرفون بالمملكة العربية السعودية وذلك بنسبة ‏(‏35%‏)‏ تقريبًا‏.‏ والشباب المنحرفون في المملكة العربية السعودية لا يختلفون كثيرًا عن غيرهم من الشباب في معظم دول العالم حيث تأتي السرقة في قائمة الانحرافات التي يرتكبها الشباب

المنحرفون‏.‏ يلي ذلك في قائمة الانحرافات المضاربات والاعتداء على الآخرين بنسبة لا تقل عن ‏(‏20%‏)‏ ثم يلي ذلك الانحرافات الأخلاقية بنسبة تصل إلى ‏(‏15%‏)‏ ثم تتسلسل بقية الجنح مثل المخالفات المرورية والهروب من المنزل وقضايا المخدرات‏.‏

 البيئة السكنية

في جميع أنحاء العالم تكون الجرائم والانحرافات في المدن أكثر منها في القرى والأرياف، وفي المملكة العربية السعودية كذلك نسبة الأحداث المنحرفين في المدينة تزيد عنها في الريف؛ إذ بلغت نسبة الشباب المنحرفين في المدن ‏(‏85%‏)‏ مقابل ‏(‏15%‏)‏ في الريف‏.‏ كما يلاحظ على الشباب المنحرفين ارتفاع نسبة سكناهم في الأحياء الشعبية بينما تقل نسبة سكنهم في الأحياء الراقية فلا تتجاوز نسبة من يسكن في الأحياء الراقية

‏(‏10%‏)‏ من مجموع الأحداث المنحرفين في المملكة العربية السعودية‏.‏

أهم أسباب انحراف المراهقين

أشارت العديد من الدراسات إلى أهم العوامل التي تساهم في انحراف الشباب سواء ما يتعلق بالأسرة التي يتربى فيها الشاب، أم المدرسة التي يتعلم فيها أم الحي الذي يعيش فيه، أم القرناء الذين يصاحبهم، أم وسائل الإعلام وما يشاهده فيها، إذ إن لكل عامل من هذه العومل دورًا لا يستهان به في تنمية الشخصية السوية أو المنحرفة عند الشاب لذا فإننا سنفصل القول فيها‏.‏

 البيئة الأسرية

‏"‏ تعد الأسرة المحضن الأساسي الذي يبدأ فيه تشكيل الفرد وتكوين اتجاهاته وسلوكه بشكل عام فالأسرة تعد أهم مؤسسة اجتماعية تؤثر في شخصية الإنسان وذلك لأنها تستقبل الوليد أولًا ثم تحافظ عليه خلال أهم فترة من فترات حياته وهي فترة الطفولة لأنها فترة بناء وتأسيس كما يعرِّف ذلك علماء النفس‏"‏ وكما يقرر ذلك حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‏)‏ فالطفل عجينة بين يدي والديه يشكلانها كيفما يشاءان لذا فقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التفريط في ذلك فقال‏:‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت‏)‏ فالأب مسئول عن أسرته و بنيه فهو راع عليهم ومسؤول عن رعيته كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته‏.‏‏.‏ فالرجل راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها و مسؤولة عن رعيتها‏)‏ وقد أثبتت العديد من الدراسات أن أكثر الجانحين ينتمون إلى أسر مفككة، وفي دراسة أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بالمملكة العربية السعودية عام 1404هـ أظهرت النتائج ما يلي‏:‏

ـ لا يسكن الجانح مع والديه في الغالب‏.‏

ـ أم الجانح ليست في ذمة الأب‏.‏

ـ أحد الأبوين أو كلاهما مُتَوَفَّى‏.‏

ـ في الغالب ليس الأب هو ولي الأمر‏.‏

ويقرر بعض الباحثين أن هناك علاقة قوية بين انحراف الشاب وانحراف أحد والديه، كما أن هناك علاقة بين أسلوب معاملة الوالدين الاجتماعية والعاطفية وانحراف الشاب‏.‏

ولا يتوقف الأمر على الأسر المفككة فحسب بل إن الأسر المترابطة قد ينشأ من بين أفرادها من يسلك سبيل الانحراف خصوصًا حين تتبع الأسرة أساليب تربوية غير صحيحة تعود بآثار سلبية ‏"‏فقد تكون عملية التنشئة الاجتماعية في الأسرة خاطئة ينقصها تعلم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة والمسؤولية الاجتماعية، أو تقوم على اتجاهات والدية سالبة مثل التسلط والقسوة والرعاية الزائدة والتدليل والإهمال والرفض والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث وبين الكبار والصغار وبين الأشقاء وغير الأشقاء والتذبذب في المعاملة‏"‏‏.‏

ومن هنا يمكن القول بأن هناك علاقة طردية بين التفكك الأسري وأسلوب معاملة الوالدين من جانب وانحراف الشباب من جانب آخر‏.‏

 البيئة المدرسية

تأتي المدرسة بعد الأسرة من حيث الأهمية في التربية والتنشئة فالطالب يتأثر في الغالب بالجو الاجتماعي الذي يعيشه في المدرسة لذا فإنها تعد عاملًا عظيم الأثر في تكوين شخصية الفرد التكوين العلمي والتربوي السليم وفي تقرير اتجاهاته في حياته المقبلة وعلاقته بالمجتمع‏.‏

فالمدرسة ليست محضنًا لبث العلم المادي فحسب بل هي نسيج معقد من العلاقات بين الطلاب، ففيها تتوسع الدائرة الاجتماعية للطالب بطلاب جدد وجماعات جديدة فيتعلم الطالب في جوها الحقوق والواجبات وضبط الانفعالات والتوفيق بين حاجاته وحاجات الآخرين إضافة إلى تعلم التعاون والانضباط السلوكي فالطفل يتعلم كل ذلك من خلال ما يتلقاه من علوم معرفية وما يكتسبه من مخالطة رفاقه في المدرسة‏.‏

‏"‏ فالمدرسة لها أثرها الفعّال في سلوك الأطفال وتوجهاتهم في المستقبل، كما أننا ومن خلال المدرسة نستطيع أن نكشف عوارض الانحراف مبكرًا لدى الأطفال مما يهيء الفرصة المبكرة لعلاجها قبل استفحالها مثل الاعتداء على الزملاء أو السرقة من أدواتهم المدرسية ونحوها أو محاولة الهرب من المدرسة أو إتلاف أثاث المدرسة مما يعطي مؤشرًا أوليًا لوجود خلل في سلوكيات الطفل‏"‏‏.‏

‏"‏ إن المدرسة مسرح مكشوف يتم من خلاله رصد ومتابعة سلوكيات الحدث خصوصًا أن مجتمع المدرسة يعد أكبر وأكثر تعقيدًا من مجتمع الأسرة‏.‏‏.‏ وبهذا فإن المدرسة تكون أول حقل تجريبي للحدث يمارس فيه سلوكه بعيدًا عن رقابة أسرته أقربائه‏"‏‏.‏

وقد أظهرت إحدى الدراسات أن للإدارة المدرسية دورًا كبيرًا في حماية الطلاب من الانحراف خاصة مع وجود قنوات اتصال جيدة بين المنزل والمدرسة‏.‏

ويشير تقرير دور الملاحظة الاجتماعية لثلاث سنوات

‏(‏‏(‏1409 ـ 1410 ـ1411هـ ‏)‏ إلى أن أكثر من خُمس الأحداث المودعين بدار الملاحظة الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية غير منتظمين في الدراسة‏.‏

 الحي والقرناء

 الحي

ونقصد به هنا المنطقة الجغرافية ‏(‏العمرانية‏)‏ التي تقطنها أسرة الحدث بجوار العديد من الأسر وتتشابك فيها العلاقات الاجتماعية بين تلك الأسر وأفرادها تأثرًا وتأثيرًا، لذا فالحي يسهم في تزويد الفرد ببعض القيم والمواقف والاتجاهات والعادات والمعاييرالسلوكية التي يتضمنها الإطارالحضاري العام الذي يميزالمنطقة الاجتماعية‏.‏ إن للحي دورًا قد يكون مكملًا لدور الأسرة في توجيه الطفل ويؤثر كل واحد في الآخر، فقد يكون داعمًا لما تقدمه الأسرة من سلوكيات بغض النظر عن ماهية هذا السلوك، وقد يكون هادمًا وذلك يتأتى من طبيعة الحي ومستواه الاقتصادي والاجتماعي، فلقد ربطت العديد من الدراسات بين طبيعة الحي وتأثيره على سلوك قاطنيه وأبرز تلك الدراسات الدراسة التي قام بها الأمريكي ‏(‏كليفورد شو‏)‏ على خمسة من الأشقاء عُرفوا بتاريخهم الإجرامي الطويل وكيف كان للحي أثر بيِّن في تكوين الجنوح لديهم‏.‏

وفي الدراسة التي أجراها مركز أبحاث مكافحة الجريمة بالمملكة العربية السعودية ظهر أن الأحياء التي تقطنها أسر الأحداث الأسوياء أرقى بكثير من الأحياء التي تسكنها أسر الأحداث الجانحين‏.‏

كما أظهرت الدراسة التي قام بها الأحمري 1414هـ في مدينة الرياض أن هناك علاقة بارزة بين خصائص النسق العمراني البيئي للأحياء وبين انحراف الأحداث‏.‏

وأكدت تلك النتائج دراسة السديس 1416هـ التي أظهرت قوة العلاقة بين مستوى الحي ومتغيراته الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من جانب وانحراف الأحداث من جانب آخر‏.‏

 القرناء

ونقصد بهم الأصدقاء والرفاق الذين يصاحبهم الشاب والذين يمكن تصنيفهم إلى ثلاث فئات‏:‏

1ـ أصدقاء الشاب المماثلون له في السن‏.‏

2ـ أصدقاء الشاب الأكبر منه سنًا‏.‏

3ـالأصدقاء من الأقارب والجيران‏.‏

فإذا كانت الأسرة والمدرسة والحي من أبرز المؤثرات التي تساهم في تكوين شخصية الفرد فإن جماعة القرناء والأصحاب لا تقل أهمية عن تلك العوامل بل قد تتفوق عليها ذلك أن القرناء يتيحون لقرينهم إمكانية معارضة والديه من خلال قوة جماعة الرفاق التي ينتمي إليها والتي صار جزءًا منها فهي تسانده في ذلك الموقف إضافة إلى شعوره ‏"‏أنهم يمدونه بزاد نفسي لا يقدمه له الكبار أو الأطفال‏.‏‏.‏‏.‏ وبهذا تعد طبقة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضلة عند المراهقين للاقتداء واستقاء الآراء والأفكار وتعد هي الأكثر تقبلًا من بين سائر طبقات المجتمع‏.‏

ومن هنا جاء الإسلام بالحث على اختيار الرفقة الصالحة والتحذير من الرفقة السيئة لما لها من أثرعلى الفرد فيقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ الكير إما ان يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة‏)‏‏.‏

بل إن أثر القرناء قد يتجاوز السلوك الخلقي إلى التأثير في الدين والعقيدة فقد جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله‏:‏ ‏(‏المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل‏)‏‏.‏

وفي دراسة للنغيمشي 1415هـ على عينة من ‏(‏1560‏)‏ طالبًا وطالبة في المدارس الثانوية في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية اتضح أن المراهقين في عمر‏(‏16 ـ 17 ـ 18‏)‏ سنة يعزفون عن استشارة أساتذتهم والاسترشاد بهم‏.‏‏.‏ وهذا يشير إلى الاستقلالية التي يطمح إليها المراهقون من وجه، وإلى الغربة والجفوة التي يعيشها المراهقون وسط المجتمع بسبب منهم ومن ذويهم ومدرسيهم من وجه آخر‏.‏

و في الدراسة التي أجراها الشامري 1409هـ على دار الملاحظة في الرياض ظهر أن الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة الآخرين كما دلت الدراسة على وجود علاقة بين جماعة الرفاق وانحراف الأحداث‏.‏

كما بينت دراسة القحطاني 1414هـ أن أبرز مصادر الثقافة الانحرافية لدى الأحداث المنحرفين هم الأصدقاء‏.‏

ويتضح مما سبق أن تأثير جماعة القرناء ما هو إلا عامل من العوامل الاجتماعية المؤثرة في انحراف الشباب ولا يعمل إلا بوجود عوامل أخرى مختلفة تدفع المراهق إلى أن يجد في مثل هذه الرفقة تخفيفًا لمتاعبه وصراعاته ومن تلك العوامل فقدان الرعاية الأسرية أو الفقر الشديد أو الإهمال الشديد أو القسوة الزائدة‏.‏

وفي الدراسة التي أجراها المطلق 1409هـ على دار الملاحظة بالقصيم ظهر أن نسبة ‏(‏73%‏)‏ من الأحداث قد ارتكبوا أفعالهم الانحرافية بمشاركة آخرين‏.‏

 وسائل الإعلام

مع خيوط الفجر الأولى وإشراقته الندية تبدأ جيوش من وسائل الإعلام نشاطها المحموم لتغزو عالم الإنسان وتقتحم عليه عزلته التي فرضــها على نفسه بالنوم‏.‏

إن وسائل الإعلام تلعب دورًا خطيرًا في قلب مفاهيم الشباب واهتماماتهم، لذا فهي تقف في قفص الاتهام والأصابع تشير إليها بقضايا عديدة فهي متهمة بأنها تقصر تقصيرًا ذريعًا في القيام بواجبها تجاه دين الأمة وفكر الشباب‏.‏‏.‏ وهي متهمة بأنها فتحت كل أبوابها، وأطلقت كل أبواقها، وسخرت كل أقلامها وأدواتها للفكر الغربي بدلًا من أن تعين على التصدي له، أو الفكر الشرقي بدلًا من أن تنبري للوقوف في وجهه‏.‏‏.‏ وهي متهمة بأنها صرفت هم الشباب وحولت اهتماماتهم من الإلتفاف حول العقيدة، والانتصار للدين، والاندفاع نحو خدمة الأمة إلى الاهتمام بالمظاهر والانغماس في الشهوات والتعلق بالأضواء والقشور، حتى غدا الشباب وهو في عمر الورود يتطلع إلى البطولة أو إبراز الذات أو النجاح من خلال مغامرات سخيفة أملاها عليه فيلم سينمائي أو قصة مكتوبة أو برنامج مذاع أو دعايات مكثفة‏.‏

إن هناك علاقة طردية بين ما يشاهده الشباب وبين الانحراف فقد أثبتت دراسة السدحان 1415هـ عن ما يشاهده الأحداث المنحرفون في وسائل الإعلام أن نسبة ‏(‏6‏.‏7%‏)‏ فقط يشاهدون برامج توجيهية ‏(‏دينية، ثقافية، علمية‏)‏ في حين نسبة ‏(‏51%‏)‏ يشاهدون البرامج الرياضية، بينما ‏(‏64‏.‏2%‏)‏ يشاهدون برامج مثيرة ‏(‏أفلام ـ مسلسلات ـ مسرحيات‏)‏‏.‏

أما ما يتعلق بنتائج الفئة السوية فنجد أن نسبة ‏(‏ 83‏.‏3% ‏)‏ يشاهدون برامج توجيهية ‏(‏دينية ـ ثقافية ـ علمية‏)‏ في حين يشاهد ‏(‏49 %‏)‏ منهم برامج رياضية، بينما يشاهد ‏(‏35‏.‏8%‏)‏ منهم برامج مثيرة ‏(‏أفلام ـ مسلسلات ـ مسرحيات‏)‏‏.‏

وعلى ذلك فالاختلاف واضح بين ما يشاهده الأحداث المنحرفون والأحداث الأسوياء فنجد أن البرامج التوجيهية تزيد نسبة مشاهدتها بين الأحداث الأسوياء مقارنة بالأحداث المنحرفين، أما البرامج المثيرة فيتفوق الأحداث المنحرفون على الأحداث الأسوياء في مشاهدتها‏.‏

ولاشك أن نوعية البرامج التي يشاهدها الفرد لها أثرها الواضح في سلوكه والعكس صحيح فمن يشاهد البرامج المثيرة للغرائز قد تكون دافعة للجنوح من خلال ما يكتسبه المشاهد منها من قيم ومواقف تدفعه لتقمصها ومحاولة تقليدها ‏.‏

وقد أشار أحد الأحداث المنحرفين من الذين أجرى عليهم السدحان دراسته إلى أن سبب دخوله دار الملاحظة هو محاولة تقليد بعض الأفلام‏.‏

كما أثبتت بعض الدراسات أثر وسائل الإعلام المرئية على الحدث ودورها في انحرافه‏.‏

كذلك ما أظهرته دراسة أخرى من أن نسبة ‏(‏32%‏)‏ من المنحرفين يقلدون بعض المشاهد التي يشاهدونها في الفيلم الذي يشاهدونه‏.‏

وكذلك دراسة ‏(‏هالوران Halloran ‏)‏ التي توصل فيها إلى أن مشاهدة برامج العنف قد تؤدي إلى سلوك عدواني مستقبلًا‏.‏

وأصدرت منظمة اليونسكو تقريرًا عن خطورة برامج الإعلام على الشباب حيث اعتبرت المنظمة أفلام العصابات تؤدي إلى اضطرابات أخلاقية تكمن وراء الجرائم المختلفة‏.‏

ومما سبق ندرك حجم تأثير وسائل الإعلام بمختلف أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية ومقدار ما تبثه من دواعي الشر وأسبابه وتقديمه لمن هم سريعو التأثر به والانجذاب إليه، خاصة وأنه يُعرض في صورة تأسر أصحاب النفوس المضطربة‏.‏

 نماذج حية من واقع الشباب المنحرفين

يحسن بنا بعد أن استعرضنا الأسباب والعوامل المساهمة في انحراف الشباب وقبل أن نتطرق للحديث عن سبل الوقاية ووسائل العلاج يحسن بنا قبل ذلك أن نتعرف على بعض النماذج الحية لواقع الشباب المنحرف وتعبير موجز عن حال الشاب أثناء قيامه بالسلوك الانحرافي والأسباب والدوافع التي حملته على سلوك هذا السبيل من وجهة نظره هو وبتعبيره وبخط بنانه وذلك من واقع استمارات تم توزيعها على بعض الشباب المنحرفين بإحدى دور الملاحظة الاجتماعية لمعرفة تفصيل الوقائع التي أودت بهم إلى دخول الدار، وكان لنا دور يسير في صياغة تفاصيل القضية حيث كانت الصياغة غير مستقيمة من قبل الكثير منهم لعدم تأهلهم لذلك من الناحية التعليمية، مع حرصنا على الإبقاء على روح النص ومعانيه‏.‏

وقد اخترت نماذج لبعض من أنواع السلوك الانحرافي التي تحدثنا عنها وهي بواقع أنموذجين لكلٍ من‏:‏

المعاكسات، والإدمان على تعاطي المخدرات، والمخالفات المرورية، السرقة‏.‏ وكان إيرادها مني هنا بقصد العبرة والعظة‏.‏

نموذج رقــــم

العمر‏:‏ ‏(‏17‏)‏ سبعة عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ أول ثانوي‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ ممتازة‏.‏

نوع القضية‏:‏ معاكسة‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ أصدقاء السوء‏.‏

2ـ الفراغ‏.‏

3ـ عدم اهتمام والدي بي‏.‏

 شرح ملابسات القضية

كنت يومًا أتجول بالسيارة مع أحد أصدقائي داخل الحي وحين رأينا فتاتين تمشيان على الرصيف أوقفنا سيارتنا بالقرب منهما وحاولنا إركابهما، وتم لنا ما نريد، وحين كنا نتمشى معهما أوقفتنا سيارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحاولنا الهرب فلم نستطع فتم القبض علينا وإيداعنا بدار الملاحظة‏.‏

نموذج رقــــم

العمر‏:‏ ‏(‏17‏)‏ سبعة عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ ثاني ثانوي‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ معاكسة‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ أصدقاء السوء‏.‏

2ـ الفراغ‏.‏

3ـ عدم الوازع الديني‏.‏

 شرح ملابسات القضية

ذهبت أنا وصديق لي إلى السوق بغرض معاكسة النساء، وفي السوق وجدنا فتاتين وليس معهما أحد، فعملنا على معاكستهن، وحاولنا أن نعطيهن رقم الهاتف للاتصال بنا فيما بعد وفي أثناء تجولنا بالسوق حضرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وألقت القبض علينا إذ تبين لنا فيما بعد أن الفتاتين كانتا متعاونتين مع رجال الهيئة‏.‏

نموذج رقــــم

العمر‏:‏

‏(‏18‏)‏ ثمانية عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ أولى متوسط‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ مخدرات‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ أصدقاء السوء‏.‏

2ـ الفراغ‏.‏

3ـ وفرة المال‏.‏

شرح ملابسات القضية‏:‏

كنت خارج بيت الأسرة لفترة طويلة وحين عدت إلى البيت كنت في حالة غير طبيعية من أثر المخدرات وكنت فاقدًا للوعي تقريبًا فتشاجرت مع أخي الأكبر ثم هربت من المنزل هائمًا على وجهي ويظهر من حركاتي أثر المخدر فتم القبض علي وإيداعي دار الملاحظة الاجتماعية‏.‏

نموذج رقــ‏(‏4‏)‏ــم

العمر‏:‏ ‏(‏17‏)‏ سبعة عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ ثالث متوسط‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ مخدرات‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ أصدقاء السوء‏.‏

2ـ الفراغ‏.‏

3ـ الملل وقلة العمل‏.‏

 

شرح ملابسات القضية

كنت أتعاطى المخدرات، وكنت ألتقي بالشخص الذي يزودني بالمخدر في باحات أحد البنوك وذلك لنكون بعيدين عن مكان التهمة، إلا أن الرجل كان مراقبًا من قبل المباحث، وفي أحد الأيام كنت جالسًا معه في البنك لأسلمه النقود وأستلم منه المخدر حسب العادة، داهمتنا المباحث وتم القبض علينا وتم إيداعي بدار الملاحظة الاجتماعية‏.‏

نموذج رقــ‏(‏5‏)‏ــم

العمر‏:‏ ‏(‏16‏)‏ ستة عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ ثالث متوسط‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ حادث مروري‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ سرقة مفاتيح السيارة من والدي

2ـ السرعة الزائدة‏.‏

3ـ عدم وجود رخصة قيادة ‏.‏

 

شرح ملابسات القضية

اختلست مفاتيح السيارة الخاصة بوالدي أثناء نومه وقمت بالتجول بها في الحي ولم تكن لدي رخصة قيادة وكنت أتعلم القيادة، وفجأة أثناء قيادتي للسيارة داخل الحي بسرعة زائدة ظهرت أمامي سيارة جمس، فلم استطع التحكم في عجلة القيادة، فارتطمت بها وحضر رجال الأمن وكان الخطأ مني بنسبة 100% وتم بعد ذلك إيداعي في دار الملاحظة‏.‏

نموذج رقــ‏(‏6‏)‏ــم

العمر‏:‏ ‏(‏18‏)‏ ثمانية عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ الثانوية‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ جيدة‏.‏

نوع القضية‏:‏ حادث مروري‏.‏

 

أسباب ارتكاب القضية

1ـ السرعة الزائدة‏.‏

2ـ انشغال الذهن وكثرة التفكير أثناء القيادة ‏.‏

 

شرح ملابسات القضية

كنت أقود سيارتي بسرعة عالية نوعًا ما، وكنت مشغول الذهن حين فاجأتني سيارة بالتوقف أمامي فتحاشيت الارتطام بها بالاندفاع إلى الجهة الأخرى إلا أنني اصطدمت في تلك الجهة بثلاث سيارات، وكنت غير مدركٍ لما حولي، وتمكنت من الفرار، وفي المنزل سألني أبي عن السيارة فأخبرته بالأمر بعد تردد، فأمرني بالذهاب إلى قسم الشرطة لتسليم نفسي وهذا ما حصل فتم إيداعي بدار الملاحظة الاجتماعية‏.‏

نموذج رقــ‏(‏7‏)‏ــم

العمر‏:‏ ‏(‏15‏)‏ خمسة عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ ثالث ابتدائي‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ سرقة سيارة‏.‏

 

أسباب ارتكاب القضية

1ـ أصدقاء السوء‏.‏

2ـ الفراغ الشديد‏.‏

 

شرح ملابسات القضية

أردت أن أذهب إلى زملائي وأنا أقود سيارة لأتباهى بقيادتها أمامهم، فعمدت إلى إحدى السيارات ففتحتها بواسطة مفتاح آخر وقمت بقيادتها إلى الحديقة والملعب حيث يتجمع الزملاء ليشاهدوني وأنا أقودها، وأثناء تجولي بها لاحقني البحث الجنائي فحاولت الهرب فقاموا بمطاردتي حتى أوقفوني وأخذوا مني السيارة ثم أحضروني إلى دار الملاحظة الاجتماعية‏.‏

نموذج رقــ‏(‏8‏)‏ــم

العمر‏:‏ ‏(‏18‏)‏ ثمانية عشر سنة‏.‏

المستوى التعليمي‏:‏ أولى متوسط‏.‏

الحالة الاقتصادية‏:‏ وسط‏.‏

نوع القضية‏:‏ سرقة محل‏.‏

أسباب ارتكاب القضية‏:‏

1ـ مصاحبة أصدقاء السوء‏.‏

2ـ عدم الصلاة

 

شرح ملابسات القضية

لم تسبق لي السرقة إلا إنه بمصاحبتي لأحد رفاق السوء طلب مني مصاحبته في سرقة محل وكان دوري يكمن في مراقبة الموقع وإعطاء إشارة متفق عليها لتنبيه صاحبي عندما يقترب أي إنسان من الموقع، وتمت السرقة إلا أنه بسبب ما قام به أحد الزملاء حيث بلّغ عنا الشرطة تم القبض علينا وتم إيداعي في دار الملاحظة‏.‏

 

التدابير الوقائية

الاهتمام بالأسرة

تعتبر الأسرة هي المحضن الأول للطفل لذا فإنها ذات أهمية بالغة لأنه فيها يتم وضع اللبنات الأولى التي تحدد شخصية المولود‏.‏ يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه‏)‏ ومن هنا كان اهتمام الإسلام بصحة الكيان الأسري وترابطه عظيمًا فاهتمام الإسلام بالأسرة يبدأ منذ نشأتها الأولى حيث حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الزواج ودعا إليه بقوله‏:‏ ‏(‏يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏)‏ وحث الرجل على اختيار الزوجة الصالحة التي تعينه على تحمل المسئولية وتربية الأبناء فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفربذات الدين تربت يداك‏)‏‏.‏

وحذر ولي الفتاة من رد الخاطب إذا كان صاحب دين فقال‏:‏ ‏(‏إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه‏)‏‏.‏

وما ذلك إلا حرصًا على قوة بناء الأسرة ولتستطيع النهوض بتربية الأبناء الذين هم شباب الغد ورجال المستقبل‏.‏

فالمرأة الصالحة تجتهد أن يرضع بنوها منها الصلاح قبل اللبن وهي كما قال الشاعر‏:‏

الأم مدرسة إذا أعددتهـا ** أعددت شعبًا طيب الأعراق

والأب قدوة أبنائه فهو المربي لهم كما قال الشاعر‏:‏

وينشأ ناشئُ الفتيان فينـــا ** على ما كان عَوَّده أبــــوهُ

وما دان الفتى بحجـىً ولكن ** يـعـوده التـديـن أقربــوهُ

كذلك فإن الإسلام جعل مسؤولية التربية على عاتق الأب وجعله المسؤول عن حماية أبنائه وتجنيبهم سبل الانحراف‏.‏ يقول الله ـ عز وجل ـ‏:‏

{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ ‏[‏التحريم‏:‏ 6‏]‏‏.‏

وحيث إن النساء شقائق الرجال فقد أشرك الإسلام المرأة في المسؤولية مع زوجها في حفظ بيته وأبنائه حال غيبته فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها‏)‏‏.‏

وحيث إن إهمال التربية والملاحظة والتوجيه من قبل الوالدين قد يجر إلى عواقب وخيمة كانحراف الأبناء والعياذ بالله فقد جعل الله في ذلك إثمًا عظيمًا فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت‏)‏‏.‏

كذلك حرصًا من الإسلام على تماسك هذا الكيان فقد نفّر من الطلاق وجعله آخر حلول الشقاق بين الزوجين وما ذلك إلا حرصًا على عدم تشتت الأبناء وضياعهم‏.‏

وحفاظًا على استقرار المودة والمحبة بين الأخوة فقد أمر الإسلام بالعدل والمساواة بينهم وعدم تفضيل أحدٍ منهم على الآخر، يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم‏)‏ حتى لا يشعر أحدهم بالظلم أو الضيم مما يدفع به إلى الانحراف‏.‏

كذلك حرص الإسلام على سلامة البيت المسلم من دواعي الانحراف فأمر بعزل الإناث عن الذكور من الأخوة عند بلوغهم العاشرة من العمر، يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏‏.‏ كل ذلك توقيًا للشر وحرصًا على سلامة الأبناء من دواعي الانحراف و مسبباته‏.‏

وحث الإسلام الأب على أن يحسن تسمية ابنه وأن يعلمه القرآن وأن يحرص على تربيته التربية الإسلامية القويمة‏.‏

 الاهتمام بالتعليم

تعد المدرسة هي المحضن الثاني للطفل بعد أن يبلغ السادسة من عمره ويستمر بها حتى ينهي دراسته الجامعية وهي فترة تمتد لأكثر من ستة عشر عامًا وإذا نظرنا إلى الوقت الذي يمضيه الطالب بين جنبات مدرسته أدركنا مدى الأهمية والمكانة التربوية التي تحظى بها المدرسة فالطالب يمكث فيها مع زملائه ومعلميه أكثر مما يمكث مع إخوته ووالديه، وأنت حينما تذهب بولدك إلى المدرسة وتدفع به إليها فإنك تدفع إلى القائمين عليها بصفحة بيضاء هي عقل الابن ليقوموا بتسطيرها بالعلوم والمعارف والعقائد والأخلاق ومن هنا لا بد أن تكون المدرسة على مستوى المسؤولية ومدركة للدور الذي تلعبه في رسم معالم شخصية الحدث‏.‏

ومع كل ما ذكر عن دور وأهمية المدرسة في حياة الحدث فإنه يتحتم علينا القول بضرورة المراجعة المستمرة لمناهج التعليم لتواكب الحاجات النفسية والاجتماعية للطفل، وبما يتمشى مع العصر الذي يعيشه مع التأكيد على دور المعلم كفرد وقدوة في تكوين شخصية الحدث وتطويرها ورعايتها حق الرعاية بما يكفل له التكيف الاجتماعي والنفسي السليم، وبما يضمن التوافق مع معايير المجتمع الذي يعيش فيه ليصب في النهاية في قناة وقايته من الانحراف أو الجنوح‏.‏

فبات من الضروري معالجة ظاهرة انقطاع التلاميذ عن الدراسة في مهدها وذلك بتدعيم المدارس بمرشدين طلابيين ومتخصصين نفسيين واجتماعيين لمتابعة الطلاب منذ بداية تعثرهم وعلاج مشكلاتهم التي تؤدي إلى الغياب ثم الانقطاع عن المدرسة قبل استفحالها‏.‏ وهذا يحتم على المرشدين الطلابيين توثيق الصلة مع أولياء أمور الطلبة وموافاتهم بالتقارير الدورية عن مستوى أبنائهم في التحصيل العلمي ومدى انضباطهم في الدوام الرسمي وإبداء الملاحظات العامة على سلوك الطالب مشفوعًا بتوجيهات لولي الأمر باتخاذ ما يلزم حيال ابنه إذا

كان هناك ما يشير إلى تقصيره أو تأخره العلمي أو تغيبه

عن الدراسة لاستدراك الأمر قبل استفحاله وتعديل المعوج بالحكمة والروية‏.‏

ومما لا شك فيه أن شعور الطالب بأن هناك صلة قوية بين إدارة المدرسة والمنزل يجعله مدركًا لمسؤولياته وتعطيه حافزًا للمضي قدمًا وإلى تحقيق النجاح بإذن الله‏.‏

كذلك ينبغي على رواد التعليم أن يكونوا على مستوى المسؤولية وأن يحققوا للطلاب القدوة الحسنة وذلك بأن يكونوا مثلًا أعلى يحتذى به في أخلاقهم وتصرفاتهم وهيئاتهم وليس ذلك في حق مدرس التربية الدينية فحسب بل هو واجب على كل معلم أخذ على عاتقه تربية جيل من أبناء المسلمين، فالمعلمون هم أعلام الأمة وهداتها وهم الذين يناط بهم النهوض بفكر الأمة لتتبوأ مكانتها بين الأمم‏.‏ ولله در القائل‏:‏

قم للمعلم وفّه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا

نعم هذا هو المعلم وهذا هو دوره في حياة الأمة مما يحتم علينا إعداده الإعداد الجيد وتأهيله التأهيل التام لينهض برسالته ويقوم بواجبه، وإلا فإننا الخاسرون ففاقد الشيء لا يعطيه ولا يجنى من الشوك العنب‏.‏

 الاهتمام بوسائل الإعلام

تعد وسائل الإعلام المختلفة من أهم وسائل الترفيه التي يقضي عندها الشباب جل أوقات فراغهم لذا كان من المتحتم توعية الأسرة بضرورة تهيئة وسائل الترفيه المناسبة لأبنائهم وحسن اختيارها مع مساعدتهم في اختيار الأشرطة التي يطلعون عليها في الفيديو، أو الأشرطة التي يستمعون إليها والمطبوعات التي يقرؤونها، ضمانًا لعدم اكتساب الشاب أو الفتاة لبعض الأفكار المنحرفة أو المواقف والمشاهد التي تشجع على الانحراف بتقليدها‏.‏

وقد أظهرت دراسة السدحان 1415هـ علاقة عكسية بين كمية وسائل الترفيه المتوفرة والانحراف‏.‏

ولا شك أن وجود وسائل ترفيه متعددة ومتنوعة في المنزل تجعل الشاب يقضي وقت فراغه في المنزل، أي تحت أنظار أسرته مما يوجد نوعًا من الضبط والرقابة على الشاب أثناء قضائه لوقت فراغه، بخلاف الشاب الذي تقل وسائل الترفيه في منزله مما يجعله يتجه إلى خارج المنزل للبحث عن وسيلة لقضاء وقت فراغه وهذا يعني أنه سيقضي وقت فراغه بعيدًا عن أنظار أسرته وفي أماكن يقل فيها الضبط وهي غير مراقبة كالشوارع والمقاهي والحدائق ونحو ذلك‏.‏

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ينبغي أن يفطن القائمون على وسائل الإعلام إلى الدور الخطير الذي تؤديه أجهزة الإعلام وأن يعملوا على استغلال هذه الأجهزة في نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وأن يغذوها بالبرامج النافعة المفيدة وأن يترفعوا بها عن البذاءة والإسفاف وأن يقدموا الثقافة الإسلامية والأخلاق الحميدة للشباب في قالب يتناسب ومتطلباتهم النفسية والاجتماعية وأن يبثوا الوعي بينهم بأسلوب سلس رصين وأَلاَّ ينساق القائمون على هذه الوسائل خلف مخططات الأعداء من الاستخفاف بعقول الشباب وتهميشهم فينشأ عن ذلك جيل غير مدرك لهويته بعيدٌ كل البعد عن جذوره الثقافية والاجتماعية والحضارية‏.‏

ولن يتم ذلك ما لم تعمل الجامعات بكل طاقاتها على تبني النظريات الإعلامية الحديثة وصبغها بالصبغة الإسلامية ليتخرج فيها جيل من الإعلاميين الذين درسوا الإعلام من وجهة نظر إسلامية ليتمكنوا من سد الفجوة العميقة في هذا المجال‏.‏

 التوجيه والإرشاد التربوي والمهني

إن للنشأة الصالحة دورًا كبيرًا في صلاح الشاب واستقامته كما ان للنشأة الفاسدة دورًا في فساد الشاب وانحرافه ويمكننا وضع الخطوات اللازم للمربي اتباعها في تنشئة الأبناء منذ نعومة أظفارهم بل و منذ أن يلجوا إلى الحياة الدنيا، فقد سن لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نؤذن في أذن المولود اليمنى ونقيم الصلاة في أذنه اليسرى ليكون أول ما يطرق سمعه هو كلمة التوحيد ونداء الفلاح‏.‏

فإذا بلغ الطفل سبع سنوات وجب أمره بالصلاة والمحافظة عليها باللين والحسنى مع تلقينه محبة الله ومحبة رسوله ومحبة السلف الصالح وتحبيبه في العمل الصالح والجنة وتخويفه من العمل السيء والنار حتى إذا بلغ العاشرة من عمره طولب بالمواظبة على الصلاة وعوقب على التفريط فيها لقول النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع‏)‏ وهذا توجيه نبوي للمربي الذي ينبغي له تعويد الطفل على الصلاة ومراقبته في أدائها ومن أفضل ما يعوّد به الطفل على الحفاظ على الصلاة اصطحابه إلى المسجد في كل صلاة، كذلك إلحاقه بحلقات تحفيظ القرآن الكريم التي تعقد في المساجد ليتعلم القرآن وآداب التلاوة والتجويد ليقرأ القرآن قراءة سليمة خالية من الأخطاء فإذا بلغ الطفل المرحلة المتوسطة وجب على ولي أمره أن يزيد في مراعاته لأنه وصل إلى مرحلة تختلف عن سابقتها مما يحتم على الأب والمربي تعديل أسلوب التعامل مع هذا الفتى بما يتوافق ومتطلبات المرحلة التي يعيشها فهو الآن يخلع رداء الطفولة ليرتدي جبة الشباب والمراهقة ولكل مرحلة متطلباتها في الرعاية‏.‏ والتوجيه النبوي يحتم علينا مصاحبة الأبناء ومؤاخاتهم وهذه السن أي من ‏(‏14 ـ 21‏)‏ سنة وهي سن المراهقة التي ينبغي أن يكون الأب فيها قريبًا من نفسية الابن ولن يكون ذلك إلا بالمصاحبة والمصادقة ورفع الكلفة بين الاثنين‏.‏

وليحرص المربي في هذه المرحلة على شغل وقت الفراغ لدى الشاب بإلحاقه بالمراكز الصيفية حيث يجد هناك ما يفيده ويشغل وقته في النافع المفيد من استماع الدروس والمحاضرات ومزاولة الأنشطة المختلفة مع أقرانه تحت رعاية ورقابة نخبة من التربويين‏.‏ ذلك أن الفراغ خطره عظيم على الشاب إذا لم يحسن استغلاله وصدق أبو العتاهية حين قال‏:‏

إن الفراغ والشباب والجدة ** مفسدة للمرء أي مفسدة

كذلك ينبغي للمربي توجيه الشاب لاختيار الرفقة الصالحة ممن هم على دين وخلق وصلاح وتقوى وتحذيره من رفقة السوء وأن يراقبه في ذلك ويتحقق ممن يختارهم لصحبته فالصاحب ساحب والطباع تسرق من بعضها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل‏)‏‏.‏

كذلك مما ينبغي أن يلاحظه الأب المربي توجهات ابنه العلمية والعملية والبحث عن مواهبه لتنميتها وتوسيعها وإذا ظهرت عليه بوادر الضعف في التحصيل العلمي وجب أن يبحث بتمعن في أسباب ذلك لوصف العلاج المناسب فإذا استمر الضعف يمكن توجيه الابن لتعلم حرفة يكتسب منها أو مهنة يتعلمها ليفيد أمته ومجتمعه ولا يتركه يتخبط في الطريق دون إرشاد أو توجيه وعليه أن لا يغفل عند الإرشاد والتوجيه تطلعات الابن وتوجهاته‏.‏ فالمهن والحرف مختلفة ومتعددة ولكل فتى ما يناسب ظروفه المعيشية وبنيته الجسدية وقدراته العقلية فعلى المربي أن يكون بصيرًا بذلك حتى يحقق الشاب طموحه ويصل إلى بر الحياة العملية وهو مؤهلٌ تأهيلًا تامًا‏.‏

 التدابير العلاجية

 

التربية الإسلامية لغرس الوازع الديني

ضرورة تقوية الوازع الديني لدى الشباب باعتباره خطًا دفاعيًا أوليًا مهمًا يمنع الشباب من الانزلاق في الانحراف غالبًا وذلك بتكثيف الجرعات التوجيهية الإسلامية من خلال المدارس والمناهج والبرامج الثقافية العامة والمجتمعية ، كذلك العمل على تبصير الشباب بخطورة رفاق السوء وسوء أثرهم على الفرد في حياته وبعد مماته ومخاطبة الشباب بحسب مستوياتهم العقلية والاجتماعية والنفسية مع الاستفادة من جميع الوسائل المتاحة لذلك كالمساجد وخطب الجمع والأعياد ووسائل الإعلام والمدارس والمحاضرات والندوات‏.‏‏.‏ إلخ ‏.‏

ولكن الحال تختلف إذا كان المربي أمام فتى قد دب إليه الفساد فأصبح منحل السلوك منحرف العقيدة، فكيف يمكن له إقامة ما اعوج منه والأخذ بيده إلى دروب النجاة‏.‏ لتحقيق ذلك ينبغي للمربي أن يتبع الحكمة في إرشاده باللطف واللين والموعظة الحسنة مسترشدًا بقول الله ـ عز وجل ـ‏:‏ ‏{‏ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 125‏]‏‏.‏

والبعد كل البعد عن التعصب والشدة لقوله تعالى‏:‏ فيتبع معه الأسلوب غير المباشر لأن مواجهة الشاب بأخطائه مباشرة تزيده إصرارًا وعنادًا وقد كان النبي ‏(‏وهو قدوتنا إذا رأى من قوم ما يكره قال‏:‏ ‏(‏ما بال أقوام يفعلون كذاوكذا‏)‏ دون تخصيص، كذلك النصيحة له على انفراد فإنها أدعى للقبول يقول الشافعي‏:‏

تعمدني بنصحك في انفرادي ** وجنبني النصيحة في الجماعـه

فإن النصح بين الناس نوع ** من التوبيخ لا أرضى استماعــه

ومن الأساليب الناجحة في هداية المنحرفين زيارتهم وتلمس حاجاتهم وتذكيرهم كلما سنحت الفرصة وإلقاء قصص التائبين على أسماعهم فإنها مما تهش له القلوب وتنشرح له الصدور وتتغلغل في نفوس العصاة شيئًا فشيئًا حتى تحرك ضمائرهم وتوقظهم من الغفلة التي رانت على قلوبهم ردحًا من الدهر وماتزال بهم حتى تخشع أفئدتهم للتذكرة والموعظة ثم ما تلبث أن تلين قلوبهم لذكر الله‏:‏‏؟‏

 شغل المراهقين بالعمل وملء أوقات الفراغ

تشير الدراسات أن فئة الشباب في المملكة العربية السعودية تمتلك قدرًا لا يستهان به من وقت الفراغ سواء في أيام الدراسة أو أيام العطل الأسبوعية ‏(‏الخميس والجمعة‏)‏ ففي الدراسة التي أجراها عددٌ من الباحثين اتضح من خلالها أن نسبة ‏(‏60%‏)‏ من أفراد العينة يمتلكون وقت فراغ يزيد على ساعات يوميًا، أما أيام عطلة نهاية الأسبوع ‏(‏الخميس والجمعة‏)‏ فترتفع ساعات الفراغ لدى الشباب لتصل إلى 6 ساعات يوميًا‏.‏

وترتفع ساعات الفراغ لدى الشباب أكثر من ذلك في أيام العطل والإجازات، ولا شك أن وجود مثل هذا القدر من وقت الفراغ لدى الشباب يعد مؤشرًا خطيرًا في حياته فهو سلاح ذو حدين وهذا يستدعي ضرورة المبادرة في التخطيط الأمثل لاستيعابه وجعلهم يستثمرونه في أنشطة إيجابية ابتكارية‏.‏

لذا فمن واجب الجهات المعنية أن تمتص ذلك الوقت من الشباب عبر المناشط المختلفة وبأساليب متنوعة، منها ما يكون على مدار السنة وأخرى في أيام الإجازات وذلك كما يلي‏:‏

 طوال العام

التوسع في مدارس القرآن الكريم المسائية وحث الشباب على الالتحاق بها، ويكون ذلك تحت إشراف الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن، وعبر جهود وزارة المعارف بتهيئة المنشآت المكانية لهم‏.‏

إنشاء أندية علمية بإشراف مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لاحتواء الموهوبين وذوي القدرات العلمية لتنمية مواهبهم، وحفظ أوقاتهم بما يعود بالنفع على المجتمع ككل‏.‏

إيجاد أندية مصغرة بالأحياء تكون أنشطتها مكتملة الجوانب ‏(‏رياضية ـ ثقافية ـ اجتماعية‏.‏‏.‏ إلخ‏)‏ وتكون تحت إشراف وزارة المعارف بحيث يستفاد من مباني المدارس الحكومية في تلك الأنشطة مساءً، وتوفيرالعمل الإشرافي المأمون الذي يحفز الأسر، لإلحاق أبنائهم بها‏.‏

تشجيع العمل التطوعي في الهيئات الإسلامية والجمعيات الخيرية بتخصيص أعمال مسائية تتناسب وإشباع حاجات الشباب النفسية والاجتماعية مع عمل الدعاية اللازمة لها في وسائل الإعلام والمدارس‏.‏

في أيام الإجازات‏:‏

التوسع في افتتاح المراكز الصيفية، مع عمل الدعاية اللازمة لها قبل بداية أنشطتها بوقتٍ كافٍ‏.‏

العمل على تشغيل الشباب في وظائف مؤقتة خلال الإجازة من خلال طرح وظائف مؤقتة لبعض الأعمال الموسمية مثل أعمال الجمارك وخدمات الحج ونحوها مما يتزامن مع موسم الإجازات‏.‏

طرح برامج تدريبية مهنية موسمية من قبل المؤسسات العامة للتعليم الفني والتدريب المهني‏.‏ بشرط أن تتناسب ورغبات وطموح الشباب في تلك المرحلة، وبالإمكان اكتشاف ذلك عن طريق استفتاء يطرح على شريحة من الشباب لمعرفة توجهاتهم وتطلعاتهم‏.‏

تشجيع وتنظيم الرحلات السياحية الداخلية عبر إشراف دقيق من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب ووزارة المعارف مع تقديم التسهيلات اللازمة من قبل الخطوط الجوية العربية السعودية وشركة النقل الجماعي وإدارة التنشيط السياحي في المدن السياحية بالمملكة‏.‏

أن تقوم الجامعات والمراكز العلمية بطرح مسابقات متنوعة في مجالات الفنون المختلفة مثل كتابة البحوث والقصة والقصيدة والمقال والرسم‏.‏‏.‏ الخ، خلال الإجازة الصيفية لامتصاص جزء من أوقات الفراغ لدى الشباب إضافة إلى تنوع الطرح في وسائل الإفادة من أوقات الفراغ لديهم‏.‏

تفعيل نشاطات الأندية الأدبية وتكثيفها خلال إجازة الصيف واستضافة الأدباء المعروفين على مستوى العالم الإسلامي لإلقاء المحاضرات والندوات والقصائد وإقامة الأمسيات الشعرية من قبل الشعراء المشهورين لاستقطاب الشباب والإعلان عن ذلك في المدارس ووسائل الإعلان المختلفة‏.‏

العمل على إقامة مخيمات خلوية ورحلات كشفية تحت إشراف جمعية الكشافة العربية السعودية خلال الإجازة وفي مناطق متعددة من المملكة لتعريف الشباب بوطنهم والاستفادة من أوقاتهم‏.‏

 التوبيخ والتأديب

لقد حرص الإسلام على سلامة المجتمع المسلم من الانحراف والأمراض السلوكية، لذا فإنه سنَّ العديد من السبل التي تحد من ذلك وتجتثه من جذوره متى ماطبقت تطبيقًا سديدًا فمن التوبيخ والتقريع باللسان إلى الجلد تعزيرًا إلى إقامة الحدود والقصاص من المعتدين‏.‏

ولغرس القيم الإسلامية في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم حث الإسلام على أمرهم بالصلاة لسبع ومعاقبتهم على التفريط فيها بعد سن العاشرة وذلك بضربهم عليها والضرب هنا نوع من العقوبة‏.‏

كذلك فإن الإسلام حث على تغيير المنكر بكل صوره‏.‏ يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏‏(‏من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان‏)‏‏.‏

فعلى المسلم إذا رأى منكرًا وهو يستطيع تغييره بيده أن يغيره وإلا فليعظ من يفعله باللسان ويوبخه على فعله لعل ذلك يزجره، وإلا رفع أمره لجهات الاختصاص لتتخذ اللازم حياله فإن لم يستطع ذلك أنكر بقلبه وليس دون ذلك شيء من الإيمان‏.‏

 الرعاية في المؤسسات الإصلاحية

يمكننا القول بأن رعاية الشباب المنحرفين في المؤسسات الإصلاحية في المملكة العربية السعودية تتم من ناحيتين الأولى وقائية وتتمثل في دور التوجيه الاجتماعي والأخرى علاجية وتتمثل في دور الملاحظة الاجتماعية وسنتحدث عن الناحيتين بشيء من التفصيل‏:‏

 

الرعاية الوقائية

وتقوم بهذه المهمة دور التوجيه الاجتماعي والتي تتمثل أهدافها في تربية وتقويم وتأهيل الأحداث ممن بلغوا السابعة من عمرهم ولم يتجاوزوا الثامنة عشرة وتقبل تلك الدور الفئات التالية‏:‏

1ـ المارقين على سلطة آبائهم أو أولياء أمورهم‏.‏

2ـ المهددين بالانحراف لاضطراب وسطهم الأسري أو قسوة الوالدين أوسوء سلوكهما‏.‏

3ـ من ساء توافقه في بيئته أو مدرسته أوجيرته بالدرجة التي جعلته معرضًا للانحراف أو ارتكب فعلًا مخالفًا يعاقب عليه الشرع ولم يصل إلى الشرطة وقت تقدمه للدار‏.‏ فتقوم الدار بإيوائهم وتقديم أوجه الرعاية المتكاملة لهم ليعودوا إلى أسرهم ومجتمعهم وقد صلح حالهم واستقامت تصرفاتهم‏.‏

 

الرعاية العلاجية

وتقدم للأحداث المنحرفين من خلال دور الملاحظة الاجتماعية وتهدف إلى رعاية الأحداث من الذكور الذين لا تقل أعمارهم عن سبعة أعوام ولا تزيد عن ثمانية عشر عامًا من الفئات التالية‏:‏

1ـ الأحداث المحتجزون رهن التحقيق أو المحاكمة من قبل السلطات الأمنية أو القضائية‏.‏

2ـ الأحداث الذين يقرر القاضي إيداعهم بالدار‏.‏

وتقدم هذه الدور للأحداث المودعين بها كافة أوجه الرعاية النفسية والدينية والطبية والتعليمية والاجتماعية ويبذل القائمون عليها أقصى جهودهم لتقويم الحدث وإصلاح ما فسد منه وتأهيله للانسجام مع مجتمعه والتعايش معه‏.‏

 الرعاية اللاحقة

تسعى المملكة العربية السعودية كغيرها من الدول إلى مكافحة الجريمة والانحراف بوسائل عدة وطرق مختلفة، و ما يهمنا هنا هو الجهود التي تبذل لتقويم السلوك من خلال ما يُقدَّم من رعاية لاحقة‏.‏ ففي 23/5/1408هـ صدرت موافقة المقام السامي على إنشاء الإدارة العامة للمتابعة والرعاية اللاحقة وتكون تابعة لوزارة العمل والشئون الاجتماعية والتي تم تعديل اسمها فيما بعد لتصبح الإدارة العامة للرعاية اللاحقة وتم تحديد أهدافها بما يلي‏:‏ ‏(‏العمل على تحقيق أسس الرعاية والتوجيه السليمة لفئات المفرج عنهم من السجن، خريجي الدور والمؤسسات الاجتماعية، مدمني المخدرات والمسكرات، المرضى النفسيين، وتنفذ الإدارة العامة للرعاية اللاحقة أهدافها المرسومة لها عبر إدارات توعية متخصصة تشرف عليها وهي‏:‏

1ـ إدارة إعادة التقبل الاجتماعي وهدفها العام توجيه وتقويم ورعاية المفرج عنهم من السجون‏.‏

2ـ وإدارة إعادة التكيف الاجتماعي وهدفها العام تحقيق أسس الرعاية السليمة لمدمني المخدرات والمسكرات والمرضى النفسيين المشمولين بالرعاية‏.‏

3ـ وإدارة تهيئة الاستقرار الاجتماعي والتي تهدف إلى تحقيق مبدأ رعاية وتوجيه خريجي الدور والمؤسسات الاجتماعية‏.‏

4ـ إضافة إلى المكاتب الاجتماعية التي هي وحدات ميدانية تنشأ على مستوى المدن والقرى بالمملكة العربية السعودية وتقوم بالبحث الميداني، وتنفيذ فعاليات برامج الرعاية اللاحقة للفئات المشمولة بالرعاية اللاحقة ويزود كل مكتب بعدد من الباحثين الاجتماعيين والنفسيين إضافة إلى الطاقم الإداري‏.‏

‏"‏وحرصًا من وزارة العمل والشئون الاجتماعية على السرعة والمرونة في متابعة خريجي الدور والمؤسسات الاجتماعية فقد أسندت أمر الرعاية اللاحقة لهم حاليًا إلى الاخصائيين الاجتماعيين بدور التوجيه والملاحظة وغيرها بالتعاون والتنسيق مع الإدارة العامة للمتابعة والرعاية اللاحقة‏"‏‏.‏

إضافة إلى ما تقدمه إدارة السجون من بعض البرامج لرعاية السجناء من خلال الاخصائيين الاجتماعيين‏.‏ ‏"‏وما صدر من تعليمات تحثهم على ربط السجين بأسرته من حيث الزيارة لتوثيق الرابطة الأسرية وما سمحت به من خروج السجين للتسجيل في الجامعة وإجراء الاختبارات تشجيعًا له على مواصلة تعليمه مما يمكنه بعد خروجه من السجن من الحصول على عمل وفي ذلك من الرعاية اللاحقة ما لا يخفى‏"‏‏.‏

أما ما يخص الأحداث الجانحين فقد سعت وزارة العمل والشئون الاجتماعية كجهة مسؤولة عن رعايتهم إلى اتخاذ العديد من البرامج ومن ذلك ما يلي‏:‏

العمل على استصدار قرار من اللجنة العليا لسياسة التعليم يلزم مدارس وزارة المعارف بقبول الأحداث الجانحين خريجي دور الملاحظة الاجتماعية فور خروجهم من الدار، واحتساب ما تحصلوا عليه من شهادات دراسية داخل الدار وتم ذلك فعلًا في 17/1/1413هـ‏.‏

العمل على إعطاء الأولوية في القبول في مراكز التدريب المهني والمعاهد الفنية والتجارية والصناعية والزراعية لخريجي دورالملاحظة الاجتماعية ممن لا يرغب في مواصلة الدراسة أو ليست لديه القدرة على الانضمام للتعليم العام‏.‏ وتم ذلك بقرار من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني صدر في 17/7/1419هـ بعد جهود من وزارة العمل والشئون الاجتماعية‏.‏

ولا شك أن هاتين الخطوتين وهما الإلحاق بالتعليم العام أو التعليم الفني خطوتان أساسيتان لرعاية الأحداث الجانحين رعاية لاحقة بعد خروجهم من دور الملاحظة الاجتماعية‏.‏

تقوم مؤسسات رعاية الفتيات وهي إحدى المؤسسات التي تهدف إلى رعاية الفتيات اللائي لا تزيد أعمارهن على ثلاثين سنة من الفئات التالية‏:‏

1ـ الفتيات اللائي يحتجزن رهن التحقيق أو المحاكمة‏.‏

2ـ الفتيات اللائي يصدر الحكم عليهن بالإيداع في هذه المؤسسة‏.‏

وتقوم هذه المؤسسات التي تشرف عليها وزارة العمل والشئون الاجتماعية باستقبال الفتيات وتقديم عمليات الرعاية والتوجيه حتى نهاية الحكم، واستمرارًا لعملية الرعاية قد يكون من المناسب تزويجها، حيث تساعد عملية زواجها على استقرارها وضبطها إلى درجة كبيرة‏.‏

وجميع هذه الخطوات التي تقدم للمفرج عنهم من أحداث وغيرهم الهدف منها دمج المفرج عنه بالمجتمع وتهيئة المجتمع لتقبله واحتوائه ليكون عضوًا فاعلًا مما يساهم في إصلاحه ويكفل عدم عودته إلى الانحراف‏.‏

 الخاتمـــــة

يتضح من خلال البحث أهمية الشباب الذين هم عماد الأمة ورجال المستقبل وبالتالي أهمية البرامج التي توجه سلوكهم وتحدد ملامح شخصيتهم ومن ذلك الأسرة والمجتمع الذي يعيشون فيه والمدرسة التي يتربون فيها وغير ذلك من العوامل المؤثرة في بناء شخصية الفرد‏.‏

والباحث يوصي بضرورة إيجاد البرامج التربوية الكفيلة ببناء شخصية سوية للفرد سواء داخل الأسرة أو خارجها ومن ذلك تطوير البرامج التعليمية لتتوافق وتطلعات الشباب حتى يقبلوا عليها‏.‏ كذلك إعداد المعلمين إعدادًا تربويًا ليكونوا قدوة حسنة للشباب إذ أن المعلم هو الذي يتربى على يديه الشباب منذ نعومة أظفارهم وهو الذي يصوغ التوجهات لديهم منذ طفولتهم الأولى فبصلاحه يصلح من يتربى تحت يديه والعكس صحيح‏.‏

بالإضافة إلى ضرورة بث الروح الإيمانية بين الشباب من خلال مراكز توعية دينية متخصصة كحلقات تحفيظ القرآن الكريم التي ينبغي العناية بها وملئها بالبرامج التي تجذب الشباب إليها‏.‏

كذلك ينبغي شغل وقت الفراغ لدى الشباب واستثماره بما يعود بالنفع لهم ولمجتمعهم وذلك بإنشاء المراكز المتخصصة التي يُرَوِّحُ فيها الشباب عن أنفسهم ويقضون فيها أوقاتًا مفيدة من النواحي العلمية والثقافية والمهنية والبدنية كما بينا ذلك في الفصل الثالث من هذا البحث‏.‏ كذلك يتحتم الاهتمام والعناية بوسائل الإعلام المختلفة باعتبارها عنصرًا هامًا من العناصرالتي يستقي منها الشباب توجهاتهم ويرسم لهم مفاهيمهم ويبث القيم بينهم‏.‏

ومن الواجب على القائمين على تربية الشباب توجيههم لاختيارالرفقة الصالحة حتى لا يقعوا فريسة لرفقة السوء‏.‏ وذلك لما للرفقة من أثر بارز في سلوك الفرد‏.‏

ولا يسعني في الختام إلا أن أضرع إلى الله ـ عز وجل ـ أن يحفظ شبابنا وشباب المسلمين وأن يدلهم على طريق الخير والهدى، كما أسأله سبحانه أن يعين القائمين على تربية الشباب على بذل الجهود ومضاعفتها واختيار البرامج النافعة التي لا تتعارض ومكتسباتنا الدينية والثقافية والحضارية وأن تكون مستقاة من كتاب الله ـ عز وجل ـ ومن هدي نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏